الفَصْلُ الثَالِثُ فِيْ فَضْلِ صَلاَةِ الْمَرْأَةِ فِيْ بَيْتِهَا وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ الْمَسْجِدِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(رُوِيَ عَنِ امْرَأَةِ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ) نسبة إلى بنى ساعدة، قوم من الخزرج (أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ، قَالَ) صلى الله عليه وسلم (عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّيْنَ الصَلاَةَ مَعِيْ، وَصَلاَتُكِ فِيْ بَيْتِكِ) أي موضع بيتك الذي تنامين فيه (خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِيْ حُجْرَتِكِ) بضم الحاء، وهو: كل موضع حُجر عليه بالحجارة (وَصَلاَتُكِ فِيْ حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاَتُكِ فِيْ دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِيْ مَسْجِدِيْ) وذلك لطلب زيادة الستر في حقها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لأَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ فِيْ بَيْتِهَا خَيْرٌ لَهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِيْ حُجْرَتِهَا، وَلأَنْ تُصَلِّيَ فِيْ حُجْرَتِهَا خَيْرٌ لَهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِيْ الدَاِر، وَلأَنْ تُصَلِّيَ فِيْ الدَاِر خَيْرٌ لَهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِيْ الْمَسْجِدِ}. رواه البيهقي عن عائشة. وقال صلى الله عليه وسلم: {صَلاَةُ المَرْأَةِ في بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا في حُجْرَتِهَا، وَصَلاَتُهَا في مُخْدَعِهَا} أي خزانتها في أقصى بيتها {أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا في بَيْتِهَا} أي صلاتها في كل ما كان أخفى أفضل لتحقق أمن الفتنة. رواه أبو داود عن ابن مسعود، والحاكم عن أم سلمة. وقال صلى الله عليه وسلم: {صَلاَةُ المَرْأَةِ وَحْدَهَا تَفْضُلُ عَلَىْ صَلاَتِهَا فِيْ الجَمْعِ} أي جمع الرجال < ص 14 > {بِخَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً}. هذا محمول على الشابة ونحوها. رواه الديلمي عن ابن عمر.
(وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَبَّ صَلاَةِ المَرْأَةِ إِلَى اللهِ فِيْ أَشَدِّ مَكَانٍ فِيْ بَيْتِهَا ظُلْمَةً. وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا وَمَا بِهَا بَأْسٌ) الواو للحال أي والحال ليس بها ضرر (فَيَسْتَشْرِفُهَا الشَيْطَانُ) أي يرفع بصره إليعا ليغويها (فَيَقُوْلُ) أي الشيطان (لاَ تَمُرِّيْنَ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ أَعْجَبْتِهِ. وَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَتَلْبَسُ ثِيَابَهَا، فَيَقُوْلُ أَهْلُهَا أَيْنَ تُرِيْدِيْنَ ؟، فَتَقُوْلُ) أي المرأة (أَعُوْدُ مَرِيْضًا أَوْ أَشْهَدُ جَنَازَةً أَوْ أُصَلِّي فِيْ المَسْجِدِ. وَمَا عَبَدَتْ امْرَأَةٌ رَبَّهَا مِثْلَ أَنْ تَعْبُدَهُ فِيْ بَيْتِهَا) أي محل إقامتها.
(وَعَنْ أَبِيْ مُحَمَّدٍ الشَيْبَانِيِّ أّنَّهُ رَأَىْ عَبْدَ اللهِ) بن الشياب، وهو صحابي (يُخْرِجُ النِّسَاءَ مِنَ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، وَيَقُوْلُ: اخْرُجْنَ إِلَىْ بُيُوْتِكُنَّ) أي اخرجن من المسجد، واذهبن إلى بيوتكن (فَذَلِكَ خَيْرٌ لَكُنَّ. رَوَاهُ) أي هذا الحديث سليمانُ اللخمي (الطَبْرَانيْ فِيْ الْكَبِيْرِ) أي المعجم الكبير المصنف في أسماء الصحابة. وَرُوِيَ: {أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ عَلىْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَرِيْحُهَا يعصف، فقال لَهَا أَيْنَ تُرِيْدِيْنَ يَا أمة الجبار، قَالَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ، قَالَ أو تطيبت ؟، قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ: فَارْجِعِيْ فَاغْتَسِلِيْ، فَإِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: "لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةً مِنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرِيْحُهَا يعصف حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ"} هذا وليس المراد خصوص الغسل، بل إذهاب رائحتها. وقال صلى الله عليه وسلم: {الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُتَبَرِّجَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ} أي اللاتي يطلبن الخلع من أزواجهن من غير عذر، واللاتي يظهرن الزينة للناس الأجانب هن امنافقات نفاقا عمليا. رواه أبو نعيم عن ابن مسعود.
(وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: بَيْنَمَا رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ) وأصل بين أن تضاف لمتعدد غير جملة، فكفتها ما عن الإضافة للمفرد، أو عن الإضافة أصلا فصارت لمجرد الربط والمفاجأة. وإذ بعدها لمجرد تأكيد مفاجأتها. ورسول الله مبتدأ. وجالس خبره. كذا قاله شيخنا يوسف. وقال أحمد الدردير: بينما ظرف زمان تضاف إلى الجمل ثم ضمنت معنى الشرط، فلذا كانت لا بد لها من جواب، وجوابها لا بد أن يكون مقرونا بإذْ كما هنا، أو بإذا الفجائيتين، والمعنى بين أوقات كون رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد (إِذْ دَخَلَتِْ امْرَأَةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ) بالتصغير إسم قبيلة من مُضَر، وهو مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر (تَرْفَلُ) بفتح الحاء أي تطيل ثيابها (فِي زِيَنِةٍ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! انْهَوْا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ الزِّيَنِةِ وَالتَّبَخْتُرِ) أي تحسين المشي (فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا، حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمُ الزِّيِنَةَ، وَتَبَخْتَرُوا) أي مشوا متكبرين (فِي الْمَسْجِدِ"). رواه ابن ماجه. وهذه الزينة كبيرة إذا تحققت الفتنة. أما مجرد خشيتها فهو مكروه، أو مع ظنها فهو حرام غير كبيرة كما أفاده ابن حجر.
(وَقَالَ النَبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ) أي استعملت العطر، وهو الطيب. والمراد به ما يظهر ريحه (ثُمَّ خَرَجَتْ) أي من بيتها (فَمَرّتْ عَلَى قَوْمٍ) من الأجانب (لِيَجِدُوا رِيْحَهَا) علة لما قبله (فَهِيَ زَانِيَةٌ) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت (وَكُلُّ عَيْنٍ) نظرت إلى محرَّم (زَانِيَةٌ) كما تقدم. رواه الإمام أحمد والنسائي والحاكم، عن أبي موسى الأشعري.
(وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطَّلَعْتُ) بتشديد الطاء المهملة (فِيْ الجَنّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ) وليس هذا يوجب فضل الفقير على الغني، وإنما معناه أن الفقراء في الجنة أكثر من الأغنياء فأخبر عم ذلك كما تقول أكثر أهل الدنيا الفقراء إخبارا عن الحال، وليس الفقر أدخلهم الجنة، وإنما دخلوا بصلاحهم مع الفقر، فإن الفقير إذا لم يكن صالحا لا يفضل. قال العزيزي: وظاهر الحديث تحريض على ترك التوسع من الدنيا، كما أن فيه تحريض النساء على المحافظة على أمر الدين لئلا يدخلن النار كما قال: (وَاطَّلَعْتُ في النّارِ) أي نار جهنم أي عليها (فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النّسَاءَ). رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي عن أنس، والبخاري والترمذي عن عمران بن حصين.
(وَذَلِكَ) أي كثرة دخول النساء في النار (لِقِلَّةِ طَاعَتِهِنَّ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ وَلأَزْوَاجِهِنَّ وَكَثْرَةِ تَبَرُّجِهِنَّ) ولأنكفران العشير وترك الصبر عند البلاء فيهن أكثر (وَالتَبَرُّجُ هُوَ إِذَا أَرَادَتْ الْخُرُوْجَ مِنْ بَيْتِهَا لَبِسَتْ أَفْخَرَ ثِيَابِهَا) أي أعظمها (وَتَجَمَّلَتْ) أي تزينت (وَتَحَسَّنَتْ) أي اجتلبت الإضاءة (وَخَرَجَتْ تفتن النَاسَ) أي تستميلهم (بِنَفْسِهَا، فَإِنْ سَلِمَتْ فِيْ نَفْسِهَا لَمْ يَسْلَمِْ النَاسُ مِنْهَا. وَلِهذَا) أي لعدم سلامة الناس منها
(قَالَ النَبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ) أي يستقبحظهورها للرجال < ص 15 > (فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا) أي خدرها (اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) أي رفع بصره إليها، فيوقع في الفتنة، أو المراد شيطان الإنس، سمي به على التشبيه (وَأَقْرَبُ مَا تَكُوْنُ الْمَرْأَةُ مِنَ اللهِ إِذَا كَانَتْ فِيْ بَيْتِهَا. وَفِيْ رِوَايَةٍ: الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ) أي غير وثيقة بها فساد كبير (فَاحْبِسُوْهُنَّ فِيْ الْبُيُوْتِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ الطَرِيْقَ) أي خرجت من خدرها وأرادت أن تسلك الطريق (قَالَ لَهَا أَهْلُهَا أَيْنَ تُرِيْدِيْنَ ؟، قَالَتْ: أَعُوْدُ مَرِيْضًا وَأَشِيْعُ جَنَازَةً، فَلاَ يَزَالُ بِهَا الشَيْطَانُ حَتَّى تُخْرِجَ ذِرَاعَهَا، وَمَا الْتَمَسَتْ) أي طلبت (الْمَرْأَةُ وَجْهَ اللهِ) أي رضاه (بِمِثْلِ أَنْ تَقْعُدَ فِيْ بَيْتِهَا وَتَعْبُدَ رَبَّهَا وَتُطِيْعَ بَعْلَهَا) أي زوجها. وكان حاتم الأصم يقول: "المرأة الصالحة عماد الدين وعمارة البيت وعون على الطاعة، والمرأة المخالفة تذيب قلب صاحبها وهي ضاحكة". وكان عبد الله بن عمر يقول: "علامة كون المرأة من أهل النار أن تضحك لزوجها إذا أقبل، وتخونه إذا أدبر". وكان حاتم الأصم يقول: "من علامة المرأة
الصالحة أن يكون حبها مخافة الله، وغناها القناعة بقسمة الله وحُليّهَا السخاوة بما تملك، وعبادتها حسن خدمة الزوج، وهمتها الإستعداد للموت".
(وَمِنَ الْكَبَائِرِ) أي كبائر الذنوب (خُرُوْجُ الْمَرْأَةِ المْمُزَوّجَةِ مِنْ بَيْتِهَا) أي محل إقامتها (بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَوْ لِمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا) أي لأجل جنازته.
(وَفِيْ الإِحْيَاءِ) للغزالي رحمه الله تعالى (خَرَجَ رَجُلٌ فِيْ سَفَرِهِ وَعَهِدَ) بكسر الهاء أي أوصى (إِلَى امْرَأَتِهِ أَنْ لاَ تَنْزِلَ مِنَ الْعلوِ إِلَى السفْلِ، وَكَانَ أَبُوْهَا فِيْ الأَسْفَلِ فَمَرِضَ) أي الأب (فَأَرْسَلَتْ الْمَرْأَةُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَأْذِنُ فِيْ النُزُوْلِ إِلَى أَبِيْهَا) أي لعيادته (فَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَطِيْعِيْ زَوْجَكِ") أي ولا تنزلي (فَمَاتَ) أي الأب (فَاسْتَأْذَنَتْ) أي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في النزول لأجل شهود جنازته (فَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَطِيْعِيْ زَوْجَكِ") في عدم النزول (فَدُفِنَ أَبُوْهَا، فَأَرْسَلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا) أي المرأة (يُخْبِرُهَا "أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لأَبِيْهَا بِطَاعَتِهَا لِزَوْجِهَا").
أوصت امرأة بنتها، فقالت: احفظي لزوجك خصالا عشرا يكنْ لكِ ذُخْرًا، الأول والثانية: القناعة وحسن السمع له والطاعة. والثالثة والرابعة: التفقد لمواقع عينه وأنفه، فلاتقع عينه منكِ على قبيح، ولا يشمّ أنفه منك إلا طيب الريح. والخامسة والسادسة: التفقد لوقت طعامه ومنامه، فإن شدة الجوع ملهبة، وتنغيصَ النوم مغضبة. والسابعة والثامنة: الإحراز لماله والرعاية إلى حشمه وعياله. والتاسعة والعاشرة: لا تعصين له أمرا ولا تُفْشِين له سِرّا، فإنكِ إن خالفتِ أمره أوْغِرْتِ صدرَه، وإن أفشيتِ سرّه لم تأمني غدره، وإياكِ ثم إياكِ والفرحَ بين يديه إذا كان مهتما، والكآبة لديه إن كان فرحا.
(وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا وَزَوْجُهَا كَارِهٌ) بأن لم يرض عنها في خروجها (لَعَنَهَا كُلُّ مَلَكٍ فِيْ السَمَاءِ وَكُلُّ شَيْءٍ مَرَّتْ عَلَيْهِ غَيْرُ الجِنِّ وَالإِنْسِ حَتَّى تَرْجِعَ أَوْ تَتُوْبَ. وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا تَرْضَى إِحْدَاكُنَّ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ) أي نساء هذه الأمة (إنَّهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلاً مِنْ زَوْجِهَا وَهُوَ عَنْهَا رَاضٍ) بأن تكون مطيعة له فيما يحل، ومثلها الأَمة المؤمنة الحاملة من سيدها (أَنَّ لَهَا) أي بأن لها مدة حملها (مِثْلَ أَجْرِ الصَائِمِ القَائِمِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ) أي في الجهاد (وَإِذَا أَصَابَهَا الطَلْقُ) أي وجَعُ الولادةِ (لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ السَمَاءِ وَالأَرْضِ) من إنس وجِنّ وملك (مَا أُخْفِىَ) خبئَ (لَهَا مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) أي من شيء نفيس تَقرّ به عينُهَا لأجل ما أقلقها (فَإِذَا وَضَعَتْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ لَبَنِهَا جُرْعَةٌ) بضم وسكون (وَلَمْ يُمَصَّ مِنْ ثَدْيِهَا مَصَّةٌ إِلاَّ كَانَ لَهَا بِكُلِّ جُرْعَةٍ وَبِكُلِّ
مَصَّةٍ حَسَنَةٌ، فَإِنْ أَسْهَرَهَا لَيْلَةً) أي واحدة (كَانَ لَهَا مِثْلُ أَجْرِ سَبْعِيْنَ رَقَبَةً تُعْتِقُهُمْ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ) أي في طاعته (بإخْلاَصٍ) أي من غير رياء. قال المناوي: والمراد بالسبعين التكثير. ومثلُ الزوجةِ الأمَةُ المؤمنةُ الحاملُ من سيِّدها. رواه الحسن بن سفيان والطبراني وابن عساكر عن سلامةَ حاضة سيدِنا إبراهيمَ ابنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
(وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَجُلَ إِذَا نَظَرَ إِلَى امْرَأَتِهِ وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ) بشهوة أو غيرها (نَظَرَ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِمَا نَظْرَةَ رَحْمَةٍ، فَإِذَا أَخَذَ بِكَفِّهَا) أي ليلاعبها أو يجامعها (تَسَاقَطَتْ ذُنُوْبُهُمَا مِنْ خِلاَلِ أَصَابِعِهِمَا) أي من بينها. والمراد صغائر الذنوب لا الكبائر. ومحل ذلك فيما إذا كان قصدهما الإعفاف أو الولد لتكثير الأمة. رواه ميسرة بن علي والرافعي < ص 16 > عن أبي سعيد الخدري.
(وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الرَجُلَ لَيُجَامِعُ أَهْلَهُ) أي زوجته (فَيُكْتَبُ لَهُ بِجِمَاعِهِ أَجْرُ وَلَدٍ ذَكَرٍ قَاتَلَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ) أي قاتل الكفار لإعلاء دين الله (فَقُتِلَ) وإنما قال ذلك لأنه لو ولد له مثل هذا الولد لكان له أجر التسبب فيه مع أن الله تعالى خالقه زمحييه ومقوّيه على الجهاد، والذي إليه التسبب فقط فعلُهُ، وهو الوقاع، وذلك عند الإمناء في الرحم. واعلم أن في التوصل إلى الولد قربة من أربعة أوجه، الأول: موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لبقاء جنس الإنسان. الثاني: طلب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكثير من به مباهاته، والثالث: طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده، والرابع: طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله.